كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ غَدَا إلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَغَدَا أَبُو جَهْلٍ مَعَهُ حَجَرٌ، وَقُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ بِذَلِكَ الْحَجَرِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَفِعًا لَوْنُهُ، كَادَتْ رُوحُهُ تُفَارِقُهُ، فَقَامَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ سَمِعَ مَا قَالَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، قَالُوا: يَا أَبَا الْحَكَمِ، مَالَك؟ فَوَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْت مُجِدًّا فِي أَمْرِك، ثُمَّ رَجَعْت بِأَسْوَإِ هَيْئَةٍ رَجَعَ بِهَا رَجُلٌ، وَمَا رَأَيْنَا دُونَ مُحَمَّدٍ شَيْئًا يَمْنَعُهُ مِنْك.
فَقَالَ: وَيْلَكُمْ، وَاَللَّهِ لَعَرَضَ دُونَهُ لِي فَحْلٌ مِنْ الْإِبِلِ، مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتِهِ وَأَنْيَابِهِ وَقَصَرَتِهِ لِفَحْلٍ قَطُّ، يَخْطِرُ دُونَهُ، لَوْ دَنَوْت لَأَكَلَنِي.
فَلِمَا قَالَهَا أَبُو جَهْلٍ قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِكُمْ أَمْرٌ مَا أَرَاكُمْ اُبْتُلِيتُمْ بِهِ قَبْلَهُ، قُلْتُمْ لِمُحَمَّدٍ: شَاعِرٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ.
وَقُلْتُمْ: كَاهِنٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ.
وَقُلْتُمْ سَاحِرٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ.
وَقُلْتُمْ: مَجْنُونٌ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ.
وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ: أَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً، وَخَيْرَكُمْ جِوَارًا، حَتَّى بَلَغَ مِنْ السِّنِّ مَا بَلَغَ، فَأَبْصِرُوا بَصَرَكُمْ، وَانْتَبِهُوا لِأَمْرِكُمْ.
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: هَلْ أَنْتَ يَا نَضْرُ خَارِجٌ إلَى أَحْبَارِ يَهُودَ بِيَثْرِبَ، وَنَبْعَثُ مَعَك رَجُلًا؛ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ نَحْنُ وَمُحَمَّدٌ فِيهِ، تَسْأَلُهُمْ، ثُمَّ تَأْتِينَا عَنْهُمْ بِمَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَخَرَجُوا، وَبَعَثُوا مَعَهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، فَقَدِمَا عَلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَدْعُوهُمْ إلَيْهِ، وَخِلَافَهُمْ إيَّاهُ، فَقَالُوا لَهُمَا: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ، نَأْمُرُكُمْ بِهِنَّ: سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ مَضَوْا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ خَبَرٌ وَنَبَأٌ، وَحَدِيثٌ مُعْجِبٌ، وَأَخْبَرُوهُمْ خَبَرَهُمْ.
وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مِنْ الْبِلَادِ مَا لَمْ يَبْلُغْ غَيْرُهُ مِنْ مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا يُقَالُ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَأَخْبَرُوهُمْ خَبَرَهُ.
وَسَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ مَا هُوَ؟ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثِ فَالرَّجُلُ نَبِيٌّ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ كَذَّابٌ، فَرَوْا رَأْيَكُمْ.
فَقَدِمَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ عَلَى قُرَيْشٍ مَكَّةُ، فَقَالَا: قَدْ أَتَيْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، أَمَرَتْنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ أُمُورٍ، فَإِنْ أَخْبَرَنَا بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَالرَّجُلُ كَذَّابٌ.
فَمَشَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ؛ أَخْبِرْنَا عَنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، نَسْأَلُك عَنْهَا، فَإِنْ أَخْبَرْتنَا عَنْهَا فَأَنْتَ نَبِيٌّ.
أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَةٍ مَضَوْا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ مُعْجِبٌ، وَعَنْ رَجُلٍ طَوَافٍ بَلَغَ مِنْ الْبِلَادِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ غَيْرُهُ، وَعَنْ الرُّوحِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَدًا أُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَمَكَثَ عَنْهُ جِبْرِيلُ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، مَا يَأْتِيهِ، وَلَا يَرَاهُ حَتَّى أَرْجَفَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، قَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا وَعَدَنَا أَنْ يُخْبِرَنَا عَمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ غَدًا، فَهَذِهِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَكَبُرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْثُ جِبْرِيلُ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ بِسُورَةِ الْكَهْفِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ احْتَبَسْت عَنِّي يَا جِبْرِيلُ حَتَّى سُؤْت ظَنًّا» فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلَّا بِأَمْرِ رَبِّك}.
ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ.
فَنَزَلَ فِي أَمْرِ الْفِتْيَةِ: {أَمْ حَسِبْت أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
فَقَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْ وَصْفِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَهُ خَبَرُهُمْ: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا}.
يَقُولُ لَا مُنَازَعَةَ، وَلَا تَبْلُغْ بِهِمْ فِيهَا جَهْدَ الْخُصُومَةِ، وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا، لَا الْيَهُودُ الَّذِينَ أَمَرُوهُمْ أَنْ يَسْأَلُوك، وَلَا الَّذِينَ سَأَلُوا مِنْ قُرَيْشٍ، يَقُولُ: قَدْ قَصَصْنَا عَلَيْك خَبَرَهُمْ عَلَى حَقِّهِ وَصِدْقِهِ.
وَنَزَلَ فِي قَوْلِهِ: أُخْبِرُكُمْ بِهِ غَدًا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ أَيُخْبِرُهُمْ عَمَّا يَسْأَلُونَك عَنْهُ؟ أَمْ يَتْرُكُهُمْ؟ {وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت} الْآيَةَ.
وَجَاءَهُ: {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الرُّوحِ} الْآيَةَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَادَاهُمْ الرُّوحُ جِبْرِيلُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ أَحْبَارُ يَهُودَ: بَلَغَنَا يَا مُحَمَّدُ أَنَّ فِيمَا تَلَوْت حِينَ سَأَلَك قَوْمُك عَنْ الرُّوحِ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا، فَإِيَّانَا أَرَدْت بِهَا أَمْ قَوْمَك؟ فَقَالَ: «كُلًّا أُرِيدُكُمْ بِهَا».
قَالُوا: أَوَلَيْسَ فِيمَا تَتْلُو: إنَّا أُوتِينَا التَّوْرَاةَ فِيهَا بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: «بَلَى، وَالتَّوْرَاةُ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَلِيلٌ، وَهِيَ عِنْدَكُمْ كَثِيرٌ مُجْزِئٌ» فَيَذْكُرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ نَزَلْنَ عِنْدَ ذَلِكَ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} إلَى آخِرِ الْآيَاتِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ بِالْمَدِينَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ.
وَهُوَ أَصَحُّ.
المسألة الثانية:
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا تَأْدِيبٌ مِنْ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، أَمَرَهُ فِيهِ أَنْ يُعَلِّقَ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إذْ مِنْ دِينِ الْأُمَّةِ وَمِنْ نَفِيسِ اعْتِقَادِهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لَا جَرَمَ فَلَقَدْ تَأَدَّبَ نَبِيُّنَا بِأَدَبِ اللَّهِ حِينَ عَلَّقَ الْمَشِيئَةَ بِالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ، فَقَالَ يَوْمًا وَقَدْ خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ».
وَقَالَ أَيْضًا: «إنِّي وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْت عَنْ يَمِينِي».
المسألة الثالثة:
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَالَهُ الْمَرْءُ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي الِاعْتِقَادِ، فَهَلْ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً فِي الْيَمِينِ أَمْ لَا؟ قَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: يَكُونُ اسْتِثْنَاءً.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأُسَامَةُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ.
إنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}.
إنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ ذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ دَلِيلًا؛ لِأَنَّ رَبْطَ الْمَشِيئَةِ، وَذِكْرَهَا قَوْلًا مِنْ الْعَبْدِ لِفِعْلِ الْعَبْدِ، فَقَالَ لِعَبْدِهِ: لَا تَقُلْ إنِّي فَاعِلٌ شَيْئًا فِيمَا تَسْتَقْبِلُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، تَقْدِيرُهُ عِنْدَ قَوْمٍ: إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ.
وَتَقْدِيرُهُ عِنْد آخَرِينَ: إلَّا أَنْ تَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي رِسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ، وَهَذَا عَزْمٌ مِنْ اللَّهِ لِعَبْدِهِ عَلَى أَنْ يُدْخِلَ قَوْلًا وَعَقْدًا فِي مَشِيئَةِ رَبِّهِ، فَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ؛ وَقَوْلُ ذَلِكَ أَجْدَرُ فِي قَضَاءِ الْأَمْرِ، وَدَرْكِ الْحَاجَةِ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
فَهَذَا بَيَانُ الثُّنْيَا فِي الْيَمِينِ، وَأَنَّهَا حَالَةٌ لِعَقْدِ الْأَيْمَانِ، وَأَصْلٌ فِي سُقُوطِ سَبَبِ الْكَفَّارَةِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ عِنْدَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت}.
وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْأَيْمَانِ، مَتَى ذَكَرْتَ، وَلَوْ إلَى سَنَةٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنُ.
الثَّانِي: قَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا غَضِبْت.
الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت بِالِاسْتِثْنَاءِ، فَيَرْفَعُ عَنْهُ ذِكْرُ الِاسْتِثْنَاءِ الْحَرَجَ، وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ.
وَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا انْتَفَى الْحَرَجُ وَالْكَفَّارَةُ.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي».
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا غَضِبْتَ بِالْغَيْنِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ التَّثَبُّتُ عِنْدَ الْغَضَبِ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ عَجَلَةٍ، وَمَزَلَّةُ قَدَمٍ، وَالْمَرْءُ يُؤَاخَذُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ فَمُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
وَمَنْ رَوَاهُ بِالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ فَهُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ أُمَّتُهُ، لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ شَرْعًا بِالْخَبَرِ الْوَارِدِ الصَّادِقِ فِي تَنْزِيهِهِمْ عَنْهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ لِيَرْتَفِعَ عَنْك الْحَرَجُ دُونَ الْكَفَّارَةِ فَهُوَ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ إرَادَةُ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يَرْفَعُ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَدَتْ فِي الْيَمِينِ بِهِ خَاصَّةً لَا تَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَهِيَ:
المسألة الرابعة:
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ فَقَالُوا: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ نَافِعٌ فِي كُلِّ يَمِينٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ تَنْعَقِدُ مُطْلَقَةً، فَإِذَا قَرَنَ بِهَا ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا انْعِقَادَهَا، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
وَمُعَوِّلُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إنَّمَا تُعْلَمُ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَا يَشَاءُ، فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ كَانَ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ عَلَامَةٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ السُّنَّةِ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
المسألة الخامسة:
قَوْله تَعَالَى: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي} الْآيَةَ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَمْرٌ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى التَّبَرُّكِ أَوْ التَّأْدِيبِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ مِيعَادِكُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: وَأَيُّ قُرْبٍ، وَقَدْ فَاتَ الْأَجَلُ؟ قُلْنَا: الْقُرْبُ هُوَ مَا أَرَادَ اللَّهُ وَقْتَهُ وَإِنْ بَعُدَ، وَالْبُعْدُ مَا لَمْ يُرِدْ اللَّهُ وَقْتَهُ وَإِنْ قَرُبَ الثَّالِثُ: الْمَعْنَى إنَّكُمْ طَلَبْتُمْ مِنِّي آيَاتٍ دَالَّةً عَلَى نُبُوَّتِي، فأخبرتُكُمْ، فَلَمْ تَقْبَلُوا مِنِّي، فَعَسَى أَنْ يُعْطِيَنِي اللَّهُ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِإِجَابَتِكُمْ مِمَّا سَأَلْتُمْ.
المسألة السادسة:
قَالَ قَوْمٌ: أَيُّ فَائِدَةٍ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ حَقِيقٌ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ، وَكُلُّ أَحَدٍ قَدْ عَلِمَ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ.
قُلْنَا: عَنْهُ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَبُّدٌ مِنْ اللَّهِ، فَامْتِثَالُهُ وَاجِبٌ، لِالْتِزَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، وَانْقِيَادِهِ إلَيْهِ، وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَرْءَ قَدْ اشْتَمَلَ عَقْدُهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ مَا وَعَدَ بِفِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَاتَّصَلَ بِكَلَامِهِ فِي ضَمِيرِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ فِي كَلَامِهِ بِلِسَانِهِ، حَتَّى يَنْتَظِمَ اللِّسَانُ وَالْقَلْبُ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ شِعَارُ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَتَعَيَّنَ الْإِجْهَارُ بِهِ، لِيُمَيَّزَ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ فِيهِ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا يَطْرَأُ فِي الْعَوَاقِبِ بِدَفْعٍ أَوْ تَأَتٍّ، وَرَفْعَ الْإِيهَامِ الْمُتَوَقَّعِ بِقَطْعِ الْعَقْلِ الْمُطْلَقِ فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَهَذِهِ كَانَتْ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ دَخَلَتْ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ رُخْصَةً، وَبَقِيَتْ سَائِرُ الِالْتِزَامَاتِ عَلَى الْأَصْلِ؛ وَلِهَذَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ.
وَلَوْ قَالَهَا فِي الطَّلَاقِ لَمْ تَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَرْفَعُ الْعَقْدَ الْمُلْتَزَمَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ فَلْيَرْفَعْهُ فِي الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَتْ رُخْصَةً فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهَا فَلَا يُقَاسُ عَلَى الرُّخَصِ.
المسألة السابعة:
هَذِهِ الْآيَةُ حُجْزَةٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَدَّبَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِرَبْطِ الْأُمُورِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، تَقَدَّسَ تَعَالَى، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ: وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ حَقَّك غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَ الْغَدُ وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهِ كَذِبٌ، وَالتَّأْخِيرُ مَعْصِيَةٌ مِنْ الْغَنِيِّ الْقَادِرِ، وَلَوْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يَشَأْ التَّأْخِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَهُوَ لَا يَشَاءُ الْمَعَاصِيَ، كَمَا يَقُولُونَ، إذَنْ كَانَ يَكُونُ الْحَالِفُ كَاذِبًا حَانِثًا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ حَقَّك إنْ عِشْت غَدًا، فَعَاشَ فَلَمْ يُعْطِهِ كَانَ حَانِثًا كَاذِبًا.
وَعِنْدَ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لِإِعْطَاءِ هَذَا الْحَالِفِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ أَمْرُهُ، وَقَدْ عُلِمَ حُصُولُ أَمْرِهِ بِذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءُ الْحَالِفِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْمَعْلُومِ حُصُولُهُ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْحَالِفِ بِكُلِّ مَعْلُومٍ حُصُولُهُ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ حَقَّك إنْ أَمَرَنِي اللَّهُ غَدًا بِذَلِكَ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، بَيْدَ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ أَرَادَ إعْطَاءَ حَقِّ هَذَا إرَادَةً مُتَقَدِّمَةً لِلْأَمْرِ بِهِ، وَبِذَلِكَ صَارَ الْأَمْرُ أَمْرًا، وَهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالْحَالِفُ كَاذِبٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، حَانِثٌ.
وَقَدْ زَعَمَ الْبَغْدَادِيُّونَ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ هِيَ تَقِيَّةُ الْعَبْدِ إلَى غَدٍ وَتَأْخِيرُهُ لَهُ، وَرَفْعُ الْعَوَائِقِ عَنْهُ.
وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَوَجَبَ إذَا أَصْبَحَ الْحَالِفُ حَيًّا بَاقِيًا سَالِمًا مِنْ الْعَوَائِقِ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا حَانِثًا إذَا لَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ.
وَقَدْ قَالُوا: إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحِنْثُ إذَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ؛
رُخْصَةً مِنْ الشَّرْعِ.
قُلْنَا: حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَرَجِ وَالْحِنْثِ عَنْهُ إذَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَقَائِهِ عَلَيْهِ إذَا قَالَ: إنْ أَبْقَانِي اللَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَيِّنٌ مَعْنًى، كَمَا هُوَ بَيِّنٌ لَفْظًا؛ إذْ لَوْ كَانَ مَعْنًى وَاحِدًا لَمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إلْجَائِي إلَيْهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ أَلْجَأَهُ إلَيْهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ التَّكْلِيفُ فِيهِ بِالْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ عِنْدَهُمْ مُحَالٌ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِمْ بِحَالٍ.
وَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ.